تأملات <<

مقالات وتعليقات لؤي صافي على الأحداث الجارية وعلى قضايا الإسلام والحداثة وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية.

الخميس، يوليو 10، 2008

الصراع لإخضاع السلطة للمسؤولية السياسية - ماليزيا وتركيا نموذجا

تعتبر السياسة من المظاهر الرئيسية للمؤسسة المجتمعية نتيجة لأنها تمثل الأنشطة التى تهدف إلى تنسيق مصالح وإهتمامات المواطنين. حيث أن السياسة تفترض مسبقاً وجود إتفاق حول مجموعة من القواعد من أجل تأمين تمثيل المواطنين فى إتخاذ القرار والسلطة والحكم، ومن أجل تسهيل الإنتقال السلمى للسلطة. وفى أغلب الدساتير العاملة، يتم استبدال المسؤولين المنتخبين حينما يخسروا الدعم الشعبى فى الإنتخابات العامة.

لقد احتضنت العديد من الدول الإسلامية النهج الديموقراطي، ولكن لم تنجح الغالبية من تلك الدول فى التغلب على السياسات القديمة المتمثلة فى دسائس القصر وهو الأمر الذى قد أدى إلى زعزعة أواصر الحكم فى الدول الإسلامية التاريخية القديمة. غالباً ما تُستخدم قوة الشرطة والقوات العسكرية، بالإضافة إلى المؤامرات السياسية، من قبل الخاصة من رجال السياسة فى الدول الإسلامية من أجل الوصول إلى والحفاظ على السلطة. وتعتبر ماليزيا وتركيا من الدول الإسلامية القليلة التي التزمت الخط الديموقراطي، ونجحت في إخضاع حكامهم للمسآلة الشعبية، حيث أن كلاهما تتمتع بنظام سياسى تعددي وتنعم بمجتمع مدنى متطور بشكل واضح.

وتوضح الأحداث الأخيرة التى جرت فى تلكما الدولتين صعوبة الإنتقال إلى الحكم الديموقراطى فى المجتمعات الإسلامية. فبعد معاناة طويلة من أجل المشاركة السياسية، دخل حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلاميةاً والذى يمثل الطبقة الوسطى، فى صراع على السلطة مع النخبة السياسية ذات الميول القومية. وأبدت الأحزاب القومية عزمها على استخدام السلطة القضائية والجيش من أجل تدمير الحزب الحاكم ذي القاعدة الشعبية العربضة، والذي يتمتع بأغلبية نيابية مطلقة تتجاوز ثلثى المقاعد.

ويسعى المدعي العام التركي الذي يمثل الاتجاه القومي إلى إغلاق الحزب وحرمان رئيسه من الحق في ممارسة العمل السياسي منهما إياه بإضعاف النظام العلماهي وذلك بالسماح للنساء الملتزمات بإرتداء الحجاب فى الحرم الجامعي.

وبدلاً من الإعتراف بأن ارتداء الحجاب اختيار شخصى حق دينى يجب حمايته التزاما بمبدإ الحرية الدينية الديموقراطي، أتهم القوميون حزب العدالة والتنمية بتدمير التقاليد العلمانية التركية، وقاموا بالدعوة إلى فرض حظر على التعامل مع الحزب وقادته. ولقد تم إعتقال رئيس الحزب ورئيس الوزراء التركى الحالى فى التسعينيات من القرن الماضى بسبب إلقاء قصيدة دينية عندما كان عمدة إسطنبول.

ويبدو أن الوطنيين يعتقدوان أن بإمكانهم الاستخفاف بالشعب التركى باستخدام مفردات ديموقراطية لإخفاء مطامعهم السلطوية وسحب البساط من تحت أفدام خصومهم السياسيين، وإخفاء عجزهم والسيطرة على مؤسسات الدولة من خلال منافسة ديموقراطية حرة وعادلة.

يتكرر الصراع لتحقيق حرية مسؤولة فى ماليزيا. فقد قرر قادة الحزب الحاكم، والذى وصل إلى السلطة منذ أن حصلت ماليزيا على إستقلالها فى عام 1957، العمل لتكريس لسيطرتهم على الحكم وذلك بتوريط قائد المعارضة فى فضائح جنسية. فلقد تم إتهام أنور إبراهيم، الذى قاد المعارضة إلى تحقيق نصر سياسى مهم فى شهر آذار (مارس) السابق والذى سبق له أن تقلد منصب نائب رئيس وزراء البلاد، باللواط من قبل مساعد سياسى شاب.

ولقد أعترف نجيب رزاق، نائب رئيس الوزراء الماليزى الحالي والعدو القديم لأنور، بالإجتماع بصاحب الاتهام فى مقر إقامته قبل يومين من قيام الأخير بإتهمامه المدمر.

نائب رئيس الوزراء ذاته متورط بقضية قتل مترجمة مغولية، وقد وجه الادعاء تهمة الضلوع بالجريمة إلى مستشاره السياسى واثنين من مساعديه. إتهام أنور باللواط إعادة مطابقة لتهمة مماثلة وجهتها قيادات الحزب في عام 1998 من أجل حرمانه من منافسة رئيس الحزب آنذاك، مهاتير محمد، على رئاسة الحزب.

ويمثل كلّ من رجب أردوغان وأنور إبراهيم نوعا جديدا من القادات السياسيين فى الدول الإسلامية والذين تقودهم رؤية جديدة متآصلة فى الأخلاقيات الإسلامية ترى أن القيادة السياسية مسؤولة أما المواطنين. كما أنهما ملتزمان بمبدأي الحرية السياسية والتعددية السياسية والإجتماعية. ولقد ابدى كلاهما الرغبة فى تقديم تضحيات شخصية عظيمة من أجل دفع نظرتهم السياسية إلى الأمام.

ولن تكون الأفعال البطولية التى يقوم بها قادة شجعان مثل أنور ورجب، بعدما نالوا إعجابا كبيرا من قبل الجماهير وتأييد واسع، كافية من أنفسهم من أجل تحويل ماليزيا وتركيا إلى ديموقراطيات حقيقية. يتطلب مثل هذا التحول وعى ونشاطا سياسيا جديدا ينتزع السلطة السياسية من السيطرة الكلية للنخبة السياسة ويخضعها إلى الرقابة الجماهرية. ويتطلب هذا الأمر ظهور مؤسسات مدنية قوية ترفض الاستخفاف السياسى والتحكم، بالإضافة إلى المطالبة بأن يتولى المسؤولون المنتخبون المسؤولية عن آرائهم وأفعالهم.

والأمر الأكثر أهمية فى ذلك الشأن، إن التحول إلى حكم ديموقراطى حقيقى يستلزم وجود شعب ليس لديه الرغبة فى أن يتم العبث والاستخفاف به من قبل مسؤوليه المنتخبين. وتزودنا آيات التنزيل برؤية عميقة فى مصدر السلطة والقوة التى يستمتع بها والطغاة والمستبدون: ألا وهى قدرتهم على الاستخفاف بالناس من أجل إخضاعهم والحصول على دعمهم. وبشكل ساخر، فإن تلك القدرة تُستمد من رغبة الأشخاص الفاسدين فى أن يتم خداعهم عن طريق قبول الإدعاءات الخاطئة بدلاً من الحصول على التميز الشخصي.

ويقدم القرآن الكريم آيات تؤكد على ان فرعون كان حاكما ذا سلطة استبدادية وعدوانية. ويعزو القرآن ذلك إلى قدرته على توفير مناخ مناسب لعبثم بمقدرات المجتمع في مقابل خضوعهم لنزواته التي تستخفب بعقولهم وكرامتهم. وعلى الرغم من البون الشاسع بين استكبار فرعون والطبقة الحاكمة المتواجدة على رأس الديموقراطيات الإسمية، فغالباً ما تكون آليات الحراك السياسي متشابهة.

تحاول بعض القيادات المتشبثة في كرسي الحكم فى ماليزيا وتركيا الاحتفاظ بامتيازاتهم السياسية عن طريق الاستخفاف بمواطنى دولتهم عبر التلاعب والخداع، وبذلك تحويل السياسات الوطنية إلى ما يشنه السيرك. ولعل فشلهم في تحقيق ما يريدون يكون مؤشرا على انتهاء اعتبار السلطة أداة للمتنفذين وبداية لسياسة تقوم على أساس المسؤولية الاجتماعية. وسيجعل هذا الأمر أيضاً من هاتين الدولتين نموذجا للديمقراطيات الحقيقية وأملا للعديد من المجتمعات الإسلامية الأخرى.